قالوا عن الحجي

قالوا عن الحجي
في هذا القسم سيتم البحث عن ماكتب عن الشاعر حمد الحجي ونشر في الصحف المقروءه والالكترونية

             ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




ذكرياتي معهم: الشاعر/ حمد الحجي
كتب:الدكتور/ حمد زيد الزيد

انتابني شعور بالهم والحزن عندما شرعت في كتابة هذه السطور - قبل سنوات - عن شاعر عاش تعيساً ومات مريضاً..ومصدر ذلك الشعور هو أنني عرفت الشاعر معرفة خاصة وتابعت أخباره أكثر من غيري بالرغم من أنني لم أعايشه إذ كنت في الطائف وهو في الرياض ولكني شهدت جانباً من طفولته وعرفت نشأته، وشهدت بعض أيامه في «مرات» و «الطائف».

وزرته مرات عديدة في مستشفى شهار للأمراض النفسية بالطائف وكنت كلما رأيته أغالب الدمع.. وأحبس الآهات، فقد عانى هذا الشاعر البائس أكثر مما عانى أمثاله من الشعراء الذين ذوت أعمارهم في زهرة شبابهم إما بالمرض أو بالموت واختلف عنهم بهمومه الخاصة والعامة، وبمرض لا يرحم، فتشابه واختلف مع شعراء ماتوا في شبابهم المبكر أمثال كيتس وبودلير والشابي والتيجاني يوسف بشير وغيرهم.

ولد شاعرنا عام 1358هـ الموافق 1939م في بلدة ملهمة حفلت بالشعراء وظهر منها الكثير من الأدباء وهي بلدة «مرات» في إقليم الوشم بمنطقة الرياض، وهي البلدة التي ولدت ونشأت فيها حتى سن الثانية عشرة تقريباً، قبل انتقالنا للمنطقة الغربية في السبعينيات الهجرية.

وعندما أعود بالذاكرة خمسين سنة للوراء أتذكر بيتهم الطيني البائس في زقاق (صابوط) مظلم بوسط البلدة وكان لا يفتح عادة للضيوف كبعض بيوت البلدة ذات الأسر المعروفة، فلم يكن فيه أسرة بالمعنى المعروف للأسرة فقد ماتت الأم والصبيّان وحدهما مما جعلهما يتجرعان مرارة اليتم منذ الصغر والأب الفقير لم يتزوج مرة أخرى حتى مات بعد أن بلغ من العمر عتيّا، لم يكن هناك بيت يليق بتربية وتفتح عبقرية فذة، أو تأجج موهبة عظيمة، كعبقرية وموهبة شاعرنا الفذ، كان الوالد فقط هو الأسرة.. ولهذا كانت أسرة ناقصة ومشلولة منذ البداية.. أما الشق الثاني من الأسرة فكان أخاً يصغره مصاب بالطرش وضعف العقل؟!.

أما الوالد فهو شاعر مغمور باللهجة العامية وفيه لطف القرويين ولديه دكان صغير في السوق المركزي للقرية، ولم يكن الفقر وقتها ظاهرة فردية.. بل كان ظاهرة اجتماعية يغرق فيها معظم الناس.. ولذلك فإن الفقر - في رأيي - لم يكن السبب الأساسي في تعاسة الشاعر: حمد بن سعد الحجي كما يرى بعض من كتبوا عنه.

كان شاعرنا شاباً نحيلاً أبيض عليه مسحة من الجمال الطفولي والرقة التي تقترب به من الأنوثة في مجتمع رجولي صارم، وعندما رأيته مرة يدخل علينا في الصف الرابع بالمدرسة الابتدائية ليعطينا درساً في الإنشاء بدل مدرس غائب، أدركت بإحساسي الصغير.. أن هذا الشاب الجميل والوديع سيكون عظيماً وكبيراً في حياته، وقد يعيّن مدرساً في المدرسة؟! بعد إكماله الصف السادس الابتدائي، وكان حديث القرية في ذكائه ونجابته وتفوقه.. مما ضخم لديه الذات وسلّط عليه الأضواء، وقد أشرت إلى ذلك في قصة كتبتها عنه قبل ثلاثين سنة بعنوان «هكذا يموت الأحياء»(1) وقد كتبت فيها أم «البطل» محسود؟! والحسد آفة تنتشر في المجتمعات الصغيرة كالمجتمع القروي.. والعين حق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولا زلت أظن وبعض الظن إثم أن الحسد كان من الأسباب الرئيسية لانتكاسة هذا الشاب الألمعي والشاعر العبقري.

وكان يأتي إلينا في الطائف ويمكث أياماً لزيارة أخيه الذي كان متعثراً في دراسته ويشكو من أعراض مرض عقلي أو نفسي، وكان الشاعر لا يزال متألقاً.. وحيوياً. وأنيقاً؟! ولكن مسحة الحزن والتشاؤم كانت من سمات نفسيته المضطربة المتقلبة، كما كان الزملاء من أهل بلدته في الطائف وهم أكثر من عشرين شاباً يتلقون دراستهم في دار التوحيد ينظرون إليه نظرة دونية.. ويسخرون منه ومن موهبته الشعرية المتفجرة، ولعل الحسد وبعض خشونة الطبع القروي واللا مبالاة - من طرفهم - كانت تؤثر بلا شك على نفسه الحساسة.

مرة كنا نجلس أنا وبعض أبناء عمي والزملاء في بيتنا بحي قروى بالطائف وفجأة أخذ الشاعر الحجي كتاب المطالعة العائد لابن عمي وكان على ما أذكر بعنوان (سعد ابن أبي وقاص) وكتب ونحن جلوس على ظهر الغلاف الداخلي للكتاب بعض أبيات قصيدته المشهورة «أيا باعث الشكوى» ومنها قوله(2):


                                                              أيا باعث الشكوى بنفسي ألم يحن
                                                               لقاء لـكـيلا تستبد بي الـشكوى؟!
                                                               بكيت ولو أنـي علـى الصبـر قـادر
                                                              كتمت ولكني على الصبر لا أقوى؟
                                                            لـقد ذقت مـنك الـحب مراً مذاقـه
                                                           وإني لأرجـو أن تـصـيّره حـلــوا!
                                                            ألـسـت إذا ما عـنّ أمـر لـخـاطري
                                                            أتيت الذي تهوى وجانبت ما أهوى؟
                                                           فلـو أن جـسـماً قد تـقـطع الجوى
                                                             لما أبقـت الأشـواق منـي ولا عضـوا!

كان ذلك عام 1379هـ (حوالي 1960م) على ما أذكر وبعدها غاب الشاعر عنا غيبة طويلة.. ولكنه في تلك الفترة اشتهر في الرياض كشاعر محلق.. وكان ينشر في صحف الرياض حين كان يدرس في كلية اللغة العربية هناك، ولم يكن معروفاً في المنطقة الغربية.. إذ كانت الصحف هي الوسيلة للتعرف على الأديب أو الشادي، أما ديوانه فلم ينشر مع الأسف إلا بعد وفاته بسنة.. وقد عمل الأستاذ محمد الشدي رئيس جمعية الثقافة والفنون سابقاً على جمعه وإصداره فأسدى خدمة جليلة لذكرى الشاعر وللأدب والشعر السعودي، كما كتب عنه الدكتور محمد بن سعد بن حسين كتاباً صغيراً، وسبقهما الأستاذ عبدالله ابن إدريس في أيراد ترجمته وبعض نماذج من شعره في كتابه «شعراء نجد المعاصرون». الذي صدر عام 1380هـ - 1961م.

وعندما كتبت الصحف السعودية في الوسطى والغربية عن مرضه ومأساته أصبح معروفاً لدى الجميع.. وتعاطف معه أناس أفاضل وأمراء كرام ومنهم الأمير سلمان بن عبدالعزيز (أمير منطقة الرياض) الذي بذل جهداً كبيراً لعلاجه في الداخل والخارج.. دون جدوى - ويا للأسف فقد استحكم مرضه وتدهورت قواه العقلية.. ونزل مريضاً لعدة سنوات في مستشفى (شهار) بالطائف.. فكنت أزوره كل شهر تقريباً معي أحياناً الصديق: عبدالله الدلقان وأحمل إليه سجائر «الكنت» التي كان يدخنها بشراهة، وكنت أعود من زيارته وقد عصر قلبي الحزن والألم على حاله، وكان يبكي أحياناً عند زيارتنا فنبكي معه، وعندما سألته مرة عن أخبار الشعر تنهد تنهيدة مؤلمة وأشار بيده إلى ماض ولى ولن يعود؟!

وقبل أن أختم هذه السطور عن هذا الشاعر الاستثنائي الموهوب والبائس معاً.. أشير إلى محطة هامة في حياته وهي ذهابه لبيروت في أواخر الستينيات الميلادية، وكان لبنان وقتها في أوج ازدهاره يبهر الأنظار ويخلب اللب ويتمنى كل مثقف أو أديب أو مضطهد لو عاش فيه وقد قال أحد الناس: (هني لمن له مرقد ... في لبنان) أقول لو (مع أن لو تفتح عمل الشيطان) قدر لأي جهة من الجهات الحكومية أن تصرف راتباً مناسباً أو تدبّر للحجي عملاً وتجعله يبقى في لبنان فلربما وجد الراحة التي ينشدها ولما تعرض لما تعرض له من معاناة طويلة وآلام مبرحة، ولو أنه تزوج هناك ومن هناك فلربما أبدع وكتب وأصبح واحداً من عمالقة الشعر المشهورين في الوطن العربي ولكنها إرادة الله، وقضاؤه الذي لا نملك رده.

وهكذا عاش حمد الحجي بائساً أعزب، ومات مريضاً ودفن على ما أعلم في سفح جبل كميت الأحمر الوادع في قريته التي أحبها وتفتحت فيها مواهبه الشعرية التي لم يقدر لها الاستمرار والعطاء ولكن ما أعطاه من جميل الشعر في زمن قصير كان كافياً لإبقاء شمعة الخلود الأبدي متقدة لاسمه.

مات مأسوفاً عليه قبل أن يبلغ الأربعين من عمره وعلى شفته هذه الأبيات التي كتبها قبل سنين من مرضه وكأنه يرثي نفسه قبل أن يرثيه أحد من الذين أحبوه أو أعجبوا بشعره.. ومنها:
رحم الله الشاعر الموهوب وعوّضه في آخرته خيراً من دنياه. ثم أليست هذه روح ونفس الشاعر الجاهلي (طرفة بن العبد) الذي مات شاباً ومنكسراً كشاعرنا الحجي؟!

(1) نشرت في مجموعتي القصصية الأولى (مغازلات ومعاكسات) عام 1985م.

(2) النص كاملاً في ديوان (عذاب السنين) للشاعر وقد نشر بعد وفاته؟!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




في ذكرى رحيل الشاعر حمد الحجي رحمه الله
 علي خضران القرني

ولد الشاعر الموهوب: حمد بن سعد بن محمد الحجي - رحمه الله - في (مرات) القريبة من الرياض عام 1358هـ. إلا أنه تعرّض في بداية حياته لمرض (نفسي) جعله يتنقل من مصح لآخر داخل المملكة وخارجها.. تلمساً للعلاج من ذلك مستشفى الصحة النفسية بالطائف (شهار للأمراض العقلية سابقاً) ومن مراجعاته العديدة وتردده لهذا المستشفى فقد أحب الطائف وامتدحه في شعره.
من ذلك قوله من قصيدة طويلة:

الحسنُ في الطائفِ أَلوانُه
كثيرة في عين من ينظرُ
لكنما الحسن الذي شَاقَنِي
وباتَ عَقْلِي منهُ لا يبصرُ
مجسم في غادةٍ حلوةٍ
تمشي الهوينى طرفها يسحرُ
كالغصن تهتز إذا مَا مَشَتْ
تكاد من تيه الصِبا تَعثْرُ
منديلها الأخضر في كَفِها
يا حبذا منديلها الأَخْضرُ
الدرر والجوهر في نحرِها
يا ليتني الدر أو الجوهرُ


الكاتب القدير الأستاذ: محمد بن أحمد الشدي جمع شعر (الحجي) وأشرف على إعداده في ديوان باسم (عذاب السنين) يقع في (136) صفحة من القطع الصغير صدرت طبعته الأولى عام 1409ه/ 1989م عن دار الوطن للنشر والإعلام بالرياض احتوى على (57) قصيدة من الشعر المقفى الموزون صدّره بمقدمة ضافية عن حياة الشاعر وشعره والمعاناة التي عاشها في أواخر حياته حتى توفاه الله.

أجتزئ منها قوله ص (5):

(عرفت الشاعر الحجي بلبلاً مغرداً بشعر الحب والشوق والوطنية في مناسبات شعرية عديدة وسمعته يترنم بأشعاره بين أقرانه وأصدقائه.. وقرأت له أشعاراً رائعة كان ينشرها في اليمامة والبلاد والندوة والجزيرة والأضواء والورود اللبنانية وغيرها وكنت أتوسم فيه الشاعر المبدع لما في شعره من رقة وعذوبة وروعة ورهافة حس).

وعن شعر الشاعر والخصائص الفنية التي يتسم بها (أصالة وإبداعاً) أصدر الأستاذ الدكتور محمد بن سعد حسين الناقد والأديب والشاعر المعروف دراسة قيمة ومنصفة في حق الشاعر وشعره بعنوان (الشاعر حمد الحجي) صدرت عام 1407هـ/1987م في (87) صفحة من القطع المتوسط... منها قوله ص (7): (حديثنا هذا حديث... لا كالأحاديث لأنه عن شاعر... لا كالشعراء... إنه شاعر بزّ الفحول البزّل وهو ما زال ابن لبون... لم أر له نظيراً في شعراء العربية سوى طرفة بن العبد على رغم الفوارق البيئية - الزمنية منها والاجتماعية - بين الشاعرين).

وقد أشاد بشعره وشاعريته أيضا الأديب الشاعر الأستاذ عبدالله بن إدريس في كتابه المشهور (شعراء نجد المعاصرون).
ومن شعر الشاعر في وصف الوطن وحبه والفداء له يقول في قصيدة بعنوان (وطني) ص (12):

وطني فديتك أي مغنى فتنة
تزداد جدتها على الأيام
أي المرابع فيك لم تهتف به
ورقاء ذات تفجع وهيام
غنت على الفنن الوريف ظلاله
فروت مفاخر شادها أقوامي
السحر فيك أراه يا وطن الهوى
والمجد والتاريخ والإلهام
والزهر فوق رباك يأسر ناظري
والنحل ينفث أطيب الأنسام
يا نجد عندي لست غير خميلة
من أرز لبنان وحور الشام

ومن إخوانياته: قوله ص (75):

يا صديقي إليك أبعث شكري
فلقد جد لي اصطبار وعزم
أنت علمتني احتمال المآسي
والرزايا وجاءني منك علم
أنت لقنتني كدهري دروساً
هي عندي وإن خسرتك غنم
يا صديقي القديم إن جبيني
باذخ كالسما وأنفي أشم
لا تلمني إن قلت أنا انتهينا
هل فؤادي إلا دماء ولحم

رحم الله الشاعر (حمد الحجي) فقد كان بلبلاً مغرداً بجميل الشعر وأعذبه... وشاعراً أصيلاً من شعرائنا الشباب الذين يشار إليهم بالتميز والإبداع في شعرهم.

خاتمة:

ما أتمناه على الأخوين الكريمين الأديب الشاعر الأستاذ: عبدالله الوشمي رئيس نادي الرياض الأدبي والكاتب القدير الأستاذ: محمد بن أحمد الشدي جامع الديوان المشار إليه إعادة طباعته مضافاً إليه القصائد التي لم تنشر - إن وجدت - تخليداً لذكرى هذا الشاعر المتميز وتذكيراً بشعره وشاعريته في طباعة تليق به وإخراجاً يتفق وتقنية الطباعة الحديثة فقد مضى على طبعته الأولى (23) عاماً. في فترة كانت الطباعة في بدايات نهضتها الفنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







 حمد الحجي (1357-1409هـ):
ببليوجرافيا
د. عبد الله الحيدري

أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بالرياض
مدخل:
يُمكن تلخيص حياة الشاعر السعودي حمد بن سعد الحجي بأنها «قصيرة وحزينة»، ويمكن أيضاً أن نحدّد مرحلتين في حياته، الأولى مدتها ثلاث وعشرون سنة تبدأ من الولادة عام 1357هـ في بلدة (مرات) من إقليم الوشم غرب مدينة الرياض وتنتهي في عام 1380هـ، وهو العام الذي بدأت فيه معاناته مع المرض. وفي هذه المرحلة نشأ وتعلم وظهرت موهبته الشعرية ولفت أنظار مدرسيه وزملائه والوسط الثقافي بعامة، وكانت التوقعات المتفائلة تنظر إلى أن مستقبلاً زاهراً ينتظر هذا الشاعر في عالم الشعر والشعراء.

أما المرحلة الثانية فتبدأ من عام 1380هـ وحتى عام 1409هـ، وهو العام الذي توفي فيه رحمه الله، وهي مدة تقترب من ثلاثين عاماً ذاق فيها الشاعر آلاماً نفسية مبرِّحة وعذاباً متواصلاً من جراء المرض النفسي الذي أصيب به والمتمثل في انفصام حاد في الشخصية، وتوقفت شاعريته ونضب معينه، وانصرف إلى نفسه يتأملها مُطيلاً التفكير متنقلاً بين مستشفيات الصحة النفسية والمصحّات في الداخل والخارج:

ومن يُطل التفكيرَ يوماً بما أرى
من الناس لم يرتحْ ونال جزائي!(1)

ولد حمد الحجي لأب كان يجيد كتابة الشعر العامي، بل يَعدّه سكان مرات أبرز شعرائها، ومنه يُفهم سبب الموهبة الشعرية (2)، وبدأ تعليمه في الكتاتيب، ثم التحق بالمدارس النظامية، حيث حصل على الشهادة الابتدائية عام 1371هـ، التحق بعدها بالمعهد العلمي بالرياض سنة 1372هـ ودرس فيه مرحلتي: المتوسطة والثانوية. ويصف الشاعر هذه المرحلة بأنها مرحلة النبوغ الشعري وبروز الموهبة الشعرية، حيث كتب عدداً من القصائد، منها قصيدته في حفل افتتاح المطابع في الرياض عام 1374هـ (3).

وواصل الشاعر طلب العلم بعد أن نال شهادة المعهد العلمي والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1377هـ، ودرس فيها سنتين، ثم طلب التحويل إلى كلية اللغة العربية فالتحق بها، ولكنه لم يستطع إكمال دراسته، حيث أصيب في قواه العقلية قبيل تخرجه، وأفاد الأطباء بأن لديه انفصاماً حاداً في الشخصية (4).

ومن هنا بدأت رحلة الشاعر مع العذاب والآلام والوجع وتوقف إبداعه وسكت صوته الشعري، وتنقل مستشفياً في عدد من الأماكن في لبنان وفي الكويت، ثم في المملكة العربية السعودية متنقلاً بين الطائف والرياض، وتعاطفت معه الدولة ممثلة في الملك فهد - رحمه الله - ، والأمير سلمان -حفظه الله-، وجمعت له تبرعات، وأهدي له منزل مؤثث في الطائف، ووقف عدد من الأدباء يتحدثون عن معاناته وينقلونها إلى الناس، منها مقال لراشد بن فهد الراشد «هل نفعل شيئاً من أجله؟» المنشور في عام 1385هـ، وكلمات في صدر كتاب «ثرثرة الصباح» لسعد البواردي المطبوع عام 1393هـ جاء فيها: ((إلى الصديق الشاعر حمد الحجي إليه تحية ود مقرونة بآمال الصحة والعطاء..)) (5)، وكلمات أخرى في الغلاف الأخير من الكتاب: ((لصالح الشاعر (حمد الحجي) ريال من كل نسخة تباع من هذا الكتيب..مساهمة متواضعة من المؤلف لرفيق فكره يجتاز مرحلة صعبة في حياته)).

وقد اتصل الشاعر بالصحافة المحلية، وبخاصة جريدة اليمامة فنشر فيها في المدة من 1376-1379هـ تسع قصائد، وثلاث مقالات، وعاجله المرض وحال دون جمع قصائده في ديوان، وشاءت إرادة الله أن يصدر في سنة وفاته في عام 1409هـ عندما تولى محمد الشدي جمع القصائد من الصحف والمجلات ومن أصدقائه وأصدرها تحت عنوان»عذاب السنين».

وإضافة إلى النشر في الصحف والمجلات كان حمد الحجي يشارك في النشاط الأدبي والثقافي في الكلية؛ ولهذا عرفه الوسط الثقافي بقوة، وترجم له عبد الله بن إدريس وأورد نماذج من أشعاره في كتابه الشهير «شعراء نجد المعاصرون»، وكان عمر الحجي وقت ذاك لا يزيد على ثلاثة وعشرين عاماً.

ومن الذين أعجبوا بشعر الحجي في وقت مبكر الناقد الدكتور محمد بن سعد بن حسين، فلقد خصه بالمحاضرة الثالثة من كتابه «الأدب الحديث في نجد» الصادر في عام 1391هـ، ثم شارك في مؤتمر النقد العربي الأول في جامعة اليرموك بالأردن عام 1400هـ ببحث عنوانه «حياة حمد الحجي وشعره»(6)، ثم نشر عنه كتاباً مستقلاً في عام 1407هـ عنوانه «الشاعر حمد الحجي»، ثم نشر عنه خمس مقالات في سنوات متقاربة.

وتوّج الاهتمام بشعر الحجي برسالة ماجستير سجلت في كلية اللغة العربية بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1424هـ وعنوانها «حمد الحجي شاعراً» للباحث خالد بن عبد العزيز الدخيل، وإشراف الدكتور عبدالرحمن بن عثمان الهليّل، ونوقشت في عام 1427هـ، وطبعت في كتاب في العام نفسه مع تغيير في العنوان، حيث أصبح «حمد الحجي شاعر الآلام».

والكتاب يقع في نحو خمسمئة صفحة، ويعدُّ أفضل عمل علمي حتى الآن استطاع إنصاف الشاعر. وهذا العمل المهم يضاف إلى الجهود السابقة الرائدة التي مهَّدت الطريق أمام الباحث ويسرت سبيل البحث أمامه.

أما هذا العمل (الببليوجرافي) فيهدف إلى حصر كل أعمال الشاعر الشعرية والنثرية، وما طبع له، وكذلك المقابلات الصحفية وتوثيقها، ويرصد ما استطعت الوصول إليه من الكتب أو البحوث أو المقالات أو القصائد عن الشاعر، ويهتم هذا البحث كذلك بمصادر ترجمة الشاعر ويُشير إليها.


وينقسم إلى أربعة أقسام، وهي:

أولاً: آثاره، ويضم إنتاجه الشعري والنثري، ففي الشعر له ديوان واحد، وهو عذاب السنين جمعه محمد الشدي وأصدره في عام 1409هـ، ويضم معظم القصائد المشار إليها في هذا الكشاف، ما عدا قصيدة «أديب اليوم».

وأما إنتاجه النثري فمحدود جداً، ولم نعثر إلا على ثلاث مقالات، وربما ليس له مقالات أخرى؛ لمرضه المبكر؛ ولاهتمامه الشعري في المقام الأول.

ثانياً: مقالات وقصائد وبحوث عن حياته وشعره، ويتضمن هذا القسم إحدى وثلاثين مادة متنوعة بين مقالات رثائية وانطباعات، وقصائد في رثائه، وبحوث تدرس شعره أو تؤرّخ لحياته ومسيرته الثقافية، وبعض الحوارات الصحفية التي أشارت إليه.

ثالثاً: حوارات صحفية، وعددها خمسة حوارات، أقدمها يعود إلى عام 1392هـ، وأحدثها إلى عام 1408هـ.

رابعاً: ترجمته، ويضم هذا القسم تسعة مراجع قديمة وحديثة ترجمت للشاعر وأرَّخت لحياته.

الببليوجرافيا

أولاً: آثاره:
أ- الشعر:

الدواوين:
1- ديوان عذاب السنين، (جمع محمد بن أحمد الشدي)، الطبعة الأولى، الرياض: دار الوطن للنشر، 1409هـ-1989م.

القصائد:

1- أديب اليوم، حمد الحجي شاعر الآلام، خالد الدخيل، الطبعة الأولى، الرياض: مطابع الحميضي، 1427هـ-2006م، ص 401.
2- إذا غفا الكون، مجلة الرائد، ع7، (جمادى الآخرة 1379هـ)، ص 6.

3- حنيني، جريدة القصيم، ع 69، (25شوال 1380هـ)، ص 14.

4- صدى يوم الجزائر، جريدة اليمامة، ع 116، (10رمضان 1377هـ)، ص 4.
5- في رثاء الدكتور عبدالوهاب عزام، جريدة اليمامة، ع 166، (20رمضان 1378هـ)، ص 5.
6- في زمرة السعداء، جريدة اليمامة، ع 113، (19شعبان 1377هـ)، ص 3.
7- ليل الاستعمار، جريدة اليمامة، ع 157، (15رجب 1378هـ)، ص 8
8- ليلة مع الآمال، جريدة اليمامة، ع 110، (27رجب 1377هـ)، ص 1.
9- مفاتن الربيع، جريدة اليمامة، ع 168، (12شوال 1378هـ)، ص 7.
10- من أعماق نفسي، جريدة اليمامة، ع 165، (13رمضان 1378هـ)، ص 5.
11- يا بدر، جريدة اليمامة، ع 199، (6جمادى الآخرة 1379هـ)، ص 7.

12- يا موطني، جريدة اليمامة، ع 59، (14جمادى الأولى 1376هـ).

ب- النثر:
1- الأدب يوحي بعضه ببعض، جريدة اليمامة، ع 61، (28جمادى الأولى 1376هـ)، ص 3.
2- قرأت كتاب: شوك وورد لحسن القرشي، جريدة اليمامة، ع 163، (27شعبان 1378هـ)، ص 6 (الحلقة الأولى).
3- قرأت كتاب: شوك وورد لحسن القرشي، جريدة اليمامة، ع 164، (6رمضان 1378هـ)، ص 6 (الحلقة الثانية).

ثانياً: مقالات وقصائد وبحوث عن حياته وشعره:
أبو سعد، يوسف بن عبد اللطيف:

1- المجموعة الشعرية الكاملة، المجلد الثالث «الرمل والماء والحمأ المسنون»، الطبعة الأولى، الأحساء: مطابع الكفاح الحديثة، 1419هـ. انظر: رباعيته «غياب الحجي وموت الضمير»، ص 87.
ابن إدريس، عبدالله:
2- شعراء نجد المعاصرون، الطبعة الثانية، الرياض: النادي الأدبي، 1423هـ-2002م. انظر: ص 201 وما بعدها.

3- حمد الحجي الشاعر البائس، جريدة الرياض، ع 7450، (6ربيع الآخر1409هـ)، ص 17.

البنيان، خالد (ت1421هـ):

4- حمد الحجي: الرحيل ومأزق الانتكاس، جريدة الجزيرة، ع 5901، (15ربيع الآخر1409هـ)، ص8.
الحامد، عبد الله (الدكتور):
5- رثاء حمد الحجي (قصيدة)، خواطر تلميذ مقموع، الطبعة الأولى، بيروت: الدار العربية للعلوم، 1424هـ-2003م، ص 259.
حسين، حسين علي:

6- الحجي حياً وميتاً، مجلة اليمامة، ع 1031،(14ربيع الآخر1409هـ)، ص 111.

ابن حسين، محمد بن سعد (الدكتور):
7- الأدب الحديث في نجد، الطبعة الأولى، القاهرة: مطبعة الفجالة الجديدة، 1391هـ (تحقيق عبد السلام سرحان). انظر ص125 وما بعدها.
8- الحجي والكاتبون، مجلة الحرس الوطني، ع 75، (جمادى الأولى 1409هـ)، ص 102.
9- الحجي يرثي عبد الوهاب عزام، مجلة الحرس الوطني، ع 66، (شعبان1408هـ)، ص 104.
10- دمعة على الحجي (قصيدة)، هوامش الذات، الطبعة الأولى، الرياض: دار عبد العزيز آل حسين للنشر والتوزيع، 1429هـ-2008م، 2-773.
11- الشاعر حمد الحجي، الطبعة الأولى، الرياض: مطابع الفرزدق التجارية، 1407هـ-1987م.
12- الشاعر حمد الحجي نجم النادي الأدبي قبل ثلاثين عاماً، مجلة الحرس الوطني، ع 37، (ربيع الأول 1406هـ)، ص 66.
13- من شعراء البؤس، الطبعة الأولى، الرياض: دار عبد العزيز آل حسين للنشر والتوزيع، 1418هـ-1998م. انظر الباب الثاني «شعر حمد الحجي: دراسة وتحليل»، ص 48.
14- النثر والنقد في آثار الحجي، مجلة الحرس الوطني، ع 67، (رمضان 1408هـ)، ص 105.
15- هل من أمل في شفاء هذا الشاعر؟، مجلة الحرس الوطني، ع 63، (جمادى الأولى 1408هـ)، ص 94.
16- يعجبني من الشعراء الحجي والفقي ومن الكتاب ابن خميس والرفاعي (حوار: خالد كامل خطاب)، جريدة الجزيرة، ع 328، (22ذو القعدة 1390هـ).

الحميد، عبد الله سالم:

17- شعراء من الجزيرة العربية، الطبعة الأولى، الرياض: طويق للخدمات الإعلامية والنشر والتوزيع، 1413هـ-1992م. انظر: 1-127.
حميدة، عبدالقادر:

18- الحجي لم يبقَ منه غير الشعر، مجلة الحرس الوطني، ع75، (جمادى الأولى 1409هـ)، ص 99.

الخطراوي، محمد العيد (الدكتور):
19- شعراء من أرض عبقر، المدينة المنورة: النادي الأدبي، (د.ت). انظر: 1-169.
الدخيل، خالد بن عبدالعزيز:
20- حمد الحجي شاعر الآلام، (تقديم الدكتور محمد بن سعد بن حسين)، الطبعة الأولى، الرياض: مطابع الحميضي، 1427هـ-2006م.
الدعيج، حمد:
21- حقاً لقد مات الجرح الكئيب، جريدة الجزيرة، ع 5905، (19ربيع الآخر 1409هـ)، ص 35.
الراشد، راشد فهد:
22- حديث القلم: هل نفعل شيئاً من أجله؟، جريدة الجزيرة، ع 74، (14شعبان 1385هـ)، ص 12 (7).

رمضان، فردوس عبدالرزاق:

23- المطلوب نحو ديوان حمد الحجي، جريدة الجزيرة، ع 5901، (15ربيع الآخر1409هـ)، ص 8.

السالمي، حمَّاد:

24- القصيبي وقف مع مشروع دعم الشاعر حمد الحجي (حوار صحفي أجراه سعد بن عايض العتيبي)، المجلة العربية، ع369، شوال 1428هـ، ص 97 وما بعدها.

الشنطي، محمد صالح (الدكتور):
25- التجربة الشعرية الحديثة في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، حائل: النادي الأدبي، 1423هـ-2003م، 3-980.

الصوينع، عثمان الصالح (الدكتور):

26- حركات التجديد في الشعر السعودي المعاصر، الطبعة الأولى، الرياض: المؤلف، 1408هـ-1987م، 1-330.

العجلان، محمد بن سعد:
27- مرثية في الشاعر حمد الحجي رحمه الله (قصيدة)، جريدة الجزيرة، ع 5907،(21ربيع الآخر1409هـ)، ص 23.
العرفج، أحمد بن عبدالرحمن:
28 معالم جغرافية على خريطة حمد الحجي الشعرية، المجلة العربية، ع257، (جمادى الآخرة 1419ه)، ص76.
العوين، محمد بن عبد الله (الدكتور):

29- تداعيات العبث في الفكر والأدب، الطبعة الأولى، الرياض: شركة الطباعة العربية السعودية، 1406هـ. انظر مقالته «الحجي..الحل والتطلع المضيء»، ص 317.
30- عفو الخاطر، الطبعة الأولى، الرياض: مطابع الشرق الأوسط، 1412هـ-1992م. انظر «رسالة إلى حمد الحجي»، ص 295.
القصيبي، غازي (الدكتور):
31- الزيارة (قصيدة)، المجلة العربية، ع 137، (جمادى الآخرة 1409هـ)، ص 8 (8).
الناصر، عبد الله محمد:
32- موت الحجي والنفاق الأدبي، مجلة اليمامة، ع 1032، (21ربيع الآخر 1409هـ)، ص 114.
ثالثاً: حوارات صحفية:
1- حمد الحجي الشاعر الجريح من العنبر 13 بمستشفى شهار: زوروني أيها الأصدقاء! (حوار: عبد الله الصيخان)، مجلة اليمامة، ع 648، (30جمادى الآخرة 1401هـ)، ص 62.
2- حمد الحجي شاعر مناجاة العقل ومرافقة البؤس ومصاحبة الشقاء (حوار: محمد الوعيل)، جريدة الجزيرة، ع 5475، (2 صفر 1408هـ)، ص 4 (الحلقة الأولى).
3- حمد الحجي شاعر مناجاة العقل ومرافقة البؤس ومصاحبة الشقاء (حوار: محمد الوعيل)، جريدة الجزيرة، ع 5482، (9 صفر 1408هـ)، ص 4 (الحلقة الثانية والأخيرة).
4- رحلة في عقل الشاعر حمد الحجي: تبت عن الشعر وأحرقت قصائدي!، جريدة اليوم، ع 5201، (18محرم 1408هـ)، ص 9.
5- لحظات مع الشاعر حمد الحجي في عزلته، (حوار: عبدالرحيم نصَّار)، مجلة اليمامة، ع 232، (10ذو القعدة 1392هـ)، ص 12.
رابعاً: ترجمته:
الحقيل، عبد الكريم بن حمد:
1- شعراء العصر الحديث في جزيرة العرب، الطبعة الثانية، الرياض: مطابع الفرزدق، 1413هـ-1993م، ص 57.
الدائرة للإعلام المحدودة:
2- معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، الرياض: الدائرة للإعلام المحدودة، 1413هـ- 1993م، ص 36.
الساسي، عمر الطيب:


3- الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي، الطبعة الأولى، جدة: مطبوعات تهامة، 1406هـ-1986م، ص 274.
ابن سلم، أحمد سعيد:
4- موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام، الطبعة الثانية، المدينة المنورة: النادي الأدبي، 1420هـ-1999م، 1-267.
سيدو، أمين سليمان، والقشعمي، محمد بن عبد الرزاق:
5- موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، الطبعة الأولى، الرياض: دار المفردات للنشر والتوزيع والدراسات، 1422هـ - 2001م، 9-50.
الطاهر، على جواد (ت1417هـ):
6- معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1418هـ-1997م، 1-385.
العلاونة، أحمد:
7- ذيل الأعلام، الطبعة الأولى، جدة: دار المنارة للنشر والتوزيع، 1418هـ-1998م، ص 76.
قبّش، أحمد:

8- تاريخ الشعر العربي الحديث، بيروت: دار الجيل، (د.ت)، ص 477.
يوسف، محمد خير رمضان:
9- تتمة الإعلام للزركلي، الطبعة الأولى، بيروت: دار ابن حزم، 1418هـ-1998م، 1-151.
الهوامش:
(1) من قصيدته «في زمرة السعداء». انظر ديوانه عذاب السنين، (جمع محمد بن أحمد الشدي)، الطبعة الأولى، الرياض: دار الوطن للنشر، 1409هـ- 1989م، ص 36.

(2) انظر: حمد الحجي شاعر الآلام، خالد بن عبد العزيز الدخيل، الطبعة الأولى، الرياض: مطابع الحميضي، 1427هـ-2006م، ص 47.

(3) المرجع نفسه، ص 60.

(4) المرجع نفسه، ص 61، 62.

(5) انظر: ثرثرة الصباح، سعد البواردي، الطبعة الأولى، دار الإشعاع، 1393هـ-1973م، ص 8.

(6) انظر: من شعراء البؤس، محمد بن سعد بن حسين، الطبعة الأولى، الرياض: دار عبد العزيز آل حسين للنشر والتوزيع، 1418هـ-1998م، ص 48.

(7) نشر المقال باسم «سكرتير التحرير».

(8) قدَّم لها الشاعر قائلاً: «في ذكرى الشاعر حمد الحجي رحمه الله».




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

داهمه "النفسي" في سن الشباب وقتله "العضوي" في سن المشيب


حمد الحجي .. شاعر نجد عاش في الوهج بشعر حزين وبقلب باك من عذاب السنين

عاش في الوهج من كل شيء, وكانت حياته حافلة بالمرض والمحن والخطوب والانفعالات التي فجرّت عبقريته بشعر حزين وبقلب باكٍ من عذاب السنين وأيام تضيء بنار الحنين, وعندما تقرأ شعره يخيل إليك أنه شاعر من زمن آخر .. زمن فحول الشعراء الأقدمين, فجزالة شعره وقوته وظروف حياته جعلت ناقدا مثل الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين يقول عنه: "لم أر له نظيرا في شعراء العربية سوى طرفة بن العبد على رغم الفوارق البيئية منها والاجتماعية بين الشاعرين".

حمد الحجي الشاعر البائس, القادم من رحم المرض تناوبته آلام الأيام ومآسي الحياة عندما دخل مرحلة الشباب, فأصبح مثل النبع الذي يتفجر فجأة لتجري مياهه في كل الاتجاهات, لقد جاء شعر الحجي وتحت وطأة المرض والألم باكيا تنهمر منه دموع الذكرى والأسى والحزن والأنين الذي ينشج نشيجا سوداويا موحشا, ثم يحرك الطبيعة بحركة نفسه ليتغنى بربيع نجد وخضرة لبنان, لكنه سرعان ما يعود إلى رؤية الحياة خلف المنظار الأسود وقد تراءى له الندامى وقد صاروا حطاما في حزمة الحطاب, ويلحظ القاتم المرير من العيش ويبكي على الضياء الخابي, كما أن البرق في السحاب لم يعد ضحوكا, ويترك الزهر في الروابي ليرنو نحو جاثي الصخور تحت الروابي, وإن تغنت حمامة مال عنها ثم أرهف سمعه للغراب.

في مدينة مرات وقبل 69 عاما ولد الشاعر حمد بن سعد الحجي, وعندما أكمل دراسته الابتدائية فيها رحل إلى الرياض والتحق بالمعهد العلمي وبالتحديد في عام 1371هـ ثم التحق بكلية الشريعة, ولعشقه الكبير للغة العربية والشعر التحق أيضا بكلية اللغة العربية, وأخذ يؤدي الامتحان في الكليتين معا, وقبيل تخرجه في الكلية عام 1380هـ, أصيب بمرض نفسي شخصّه الأطباء "انفصاما حادا في الشخصية" مما جعله يعيش صراعا شديدا مع نفسه ومع الحياة والناس فحرم من نعيم الحياة في سن مبكرة وفي محطات كثيرة داخل المملكة, الكويت, لبنان, إيران, مصر, وبريطانيا, بحث عن العلاج لكنه لم يستقر وبقي على هذه الحال حتى توفي عام 1409هـ, بعد أن أُصيب بمرض عضوي طال رئته وقلبه.

وإذا كان الشاعر الحجي قد عاش حياته بائسا مريضا فإنه لم ير شعره وقد جُمع في ديوان خاص به يؤثر عنه لكنه أبقى أوراقا تحمل أغاني حزينة وكلمات تثير لدى قارئها لواعج الذكري لإنسان عاش الفقر والحرمان والألم والمرض.


راجعت ديواني فلم ألق في

                                                                                  أوراقه إلاّ أغاني حزين

قرأته فارتعت من بؤس من

                           سطره بين الأسى والأنين
من قائل الشعر ومن ذا الذي

                            أيامه نوح ودمع سخين؟

تميّز شعر الحجي بالصدق والعذوبة والصفاء, ويتأتى ذلك من حرارة عاطفته وعمق إحساسه .. وتتجلى براعته في الغزل وفي حبه وشوقه إلى نجد .. ولعله أكثر الشعراء القدامى والمحدثين تعلقا بنجد .. فقد ذكرها ووصفها في شعره أكثر مما فعل أي شاعر حتى الآن, مما يجوز لنا معه إذ نطلق عليه اسم "شاعر نجد" في هذا القرن ـ كما عبر عن ذلك ناشر ديوان الشاعر وجامع شعره الأستاذ محمد بن أحمد الشدي رئيس تحرير مجلة "اليمامة" سابقا, وحمل الديوان اسم "عذاب السنين" وضمنه 61 قصيدة وصدر في طبعته الأولى عام 1409هـ, وهو عام وفاة الشاعر.

 
صوّر الشاعر في قصائد كثيرة معاناته في هذه الحياة بعد أن أصيب في سن الشباب بمرض الفصام وهو ما جعله يتعلق بذكرى طفولته أشد تعلق.

 
إن حن شيخ للشباب فإنما

                             قلبي يحن إلى زمان طفولتي

أنا في شبابي بائس ما في يدي
 
                             إلا الدموع تحدرت من مقلتي

ذكرى الطفولة ما تمر بخاطري

                                        إلا ذكرت بها الجنةِ

 
وفي لحظات من اليأس والخذلان والانكسار يعبّر الشاعر عن معاناته متسائلا عن سر شقائه في هذه الحياة في حين أن القوم سعداء وهم نظراؤه لا يختلف عنهم في شيء, فخلقهم مثله وخلقه مثلهم وما قصّرت به همته وذكاؤه، لكنه اختلف عنهم في شيء بأنه أصبح في هذه الحياة مفكرا فجانب فيها لذته وهناءه، في حين أنهم نظروا في الكون نظرة عابر يمر على الأشياء دون عناء.

 
أأبقى على مر الجديدين في جوى

                                        ويسعد أقوام وهم نظرائي؟

ألستُ أخاهم قد فطرنا سوية

                                    فكيف أتاني في الحياة شقائي؟

أرى خلقهم مثلي وخلقي مثلهم

                                     وما قصّرت بي همتي وذكائي

يسيرون في درب الحياة ضواحكا

                                  على حين دمعي ابتل منه ردائي

أكان لساني أن نطقت ملعثما

                                    وكانوا إذا ناجوا من الفصحاء؟

وهل كنت إما أشكل الأمر عاجزا

                                   وكانوا لدى الجلّى من الحكماء؟

ولست فقيرا أحسب المال مسعدا

                                         وليسوا إذا فتشتهم بثراء

وهل لهمو جود بما في أكفهم

                                    وإني مدى عمر من البخلاء؟

وهل أصبحوا في حين أمسيت مانعاً

                                 يجودون بالنعمى على الفقراء؟

وهل كلهم أصحاب فضل ومنّةٍ

                             وكنت أنا المفضول في الفضلاء؟

وهل ضربوا في الأرض شرقا ومغربا

                                  وكنت مللت اليوم طول ثوائي؟

وهل كلهم أوفوا بكل عهودهم

                               ومن بينهم قد غاض ماء وفائي؟

بلى أخذوا يستبشرون بعيشهم

                               سواي فقد عاينت قرب بلائي؟

لقد نظروا في الكون نظرة عابر

                                  يمر على الأشياء دون عناء

وأصبحت في هذي الحياة مفكرا

                                    فجانبت فيها لذتي وهنائي

ومن يُطل التفكير يوما بما أرى

                                من الناس لم يرتح نال جزائي

ومن يمش فوق الأرض جذلان مظهرا

                                        بشاشته يُمرُرْ بكل رواء

تغني على الدوح الوريق حمامة

                                   فيحسبه المحزون لحن بكاء

وتبكي على الغصن الرطيب يظنها

                                حليف الهنا تشجي الورى بغناء

ألا إنما بشر الحياة تفاؤل

                                    تفاءل تعش في زمرة السعداء

 
وتنوعت قصائد الشاعر الحجي بين مناجاة الخالق والتغني بالوطن ووصف الطبيعة وخصوصا في نجد ولبنان والطائف، بالإضافة إلى قصائد غزلية ووطنية وقصائد في مناسبات مختلفة كجامعة الرياض وزيارة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية سابقا لكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض، كما تضمنت قصائده دعوات للشباب للتسلح بالعلم، وتحية لأول مطبعة أقيمت في الرياض باسم مطابع الرياض، وتفاعل الشاعر مع الأحداث السياسية في المنطقة العربية فقال شعراً عن ثورة الجزائر ونضال شعبها ضد الاستعمار.

ولعل قصيدة "يا عيد" التي قالها وهو بعيد عن الوطن وهو مغترب ينشد العلاج في بلاد الشام تمثل إحدى روائعه ومنها:

 
يا عيد وافيت والأشجان مرخية

                                                  سدولها ونعيم الروح مفقود

لا الأهل عندي ولا الأحباب جيرتهم

                                         حولي فقلبي رهين الشوق مفؤود

تجري دموعي في محاجرها

                                          على وسادي لها صبع وتسهيد

أمسي وأصبح والأحزان تحدق بي

                                    لا الروض يجدي ولا القيثار والعود

يا ساكني نجد أنا بعد بينكم

                                         كأنما قد شوى الأضلاع سفود

أنا المتيم والأحداث شاهدة

                                     من الهموم علت وجهي تجاعيد

إني غلام ولكن حالتي عجب

                                        أرى كأني في السبعين مولود

لم أشرب الكأس والأشواق تشربني

                                       ولم أغرد ومن حول الأغاريد

نعم شربت كؤوس الهم مترعة

                                     حتى كأني من الأوصاب عربيد

لما أتى العيد أبكاني وهيجني

                                        فليتني بعدكم ما مر بي عيد

عيد الغريب سقام وانبعاث وأسى

                                   ودمعه إن شدا الشادون تغريد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق